كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعنه أيضًا قال: عرق بين اللَّبَّة والعِلْباوَيْن.
وقال الزجاج: الوريد: عِرْق في باطن العُنُق، وهما وريدان، والعِلْباوَان: العَصَبتان الصَّفراوان في مَتْن العُنُق، واللَّبَّتان: مَجرى القُرط في العُنُق.
وقال ابن الأنباري: اللَّبَّة حيث يتذبذب القُرْط مِمّا يَقْرُبُ من شحمة الأُذن.
وحكى بعض العلماء أن الوريد: عِرْقٌ متفرِّق في البدن مُخالِط لجميع الأعضاء.
فلمّا كانت أبعاض الإِنسان يحجب بعضُها بعضًا، أَعْلَمَ أن عِلْمه لا يحجُبه شيءٌ.
والمعنى: ونحن أقربُ إليه حين يَتلقَّى المتُلقِّيان، وهما الملَكان الموكَّلان بابن آدم يتلقيَّانِ عَمَلَه وقوله: {إذا يَتلقَّى المُتلقِّيان} أي: يأخُذان ذلك ويُثْبِتانه {عن اليمين} كاتب الحسنات {وعن الشِّمال} كاتب السَّيِّئات.
قال الزجاج: والمعنى: عن اليمين قَعيد، وعن الشِّمال قَعيد، فدلَّ أحدُهما على الآخر، فحذف المدلولُ عليه، قال الشاعر:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وأنْتَ بِمَا عِنْ ** دَكَ رَاضٍ والرَّأْيُ مُخْتَلِفُ

وقال آخر:
رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ وَوالِدِي ** بَريئًا ومِنْ أَجْلِ الطَّوِىِّ رَمَانِي

المعنى: كنتُ منه بريئًا.
وقال ابن قتيبة: القَعيد بمعنى قاعد، كما يقال: {قدير} بمعنى (قادر)، ويكون القعيد بمعنى مُقاعِد، كالأكيل والشَّريب بمنزلة: المُؤاكِل والمُشارِب.
قوله تعالى: {ما يَلْفِظُ} يعني الانسان، أي: ما يتكلَّم من كلام فيَلْفِظُه، أي: يَرميه من فمه، {إلاّ لَدَيْه رقيبٌ} أي: حافظ، وهو الملَك الموكَّل به، إِمّا صاحب اليمين، وإِمّا صاحب الشمال {عَتيدٌ} قال الزجاج: العَتيد: الثّابِت اللاّزم.
وقال غيره: العَتيد: الحاضر معه أينما كان.
وروى أبو أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كاتِبُ الحَسَنات على يمين الرجلُ، وكاتب السَّيِّئات على يساره، فكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين عشرًا، وإذا عمل سيئة، وأراد صاحب الشمال أن يكتبها، قال صاحب اليمين: أَمْسِكْ، فيُمْسِك عنه سَبْعَ ساعات، فإن استغفر منها لم يُكتَب عليه شيءٌ، وإن لم يستغفر كُتِب عليه سيِّئة واحدة» وقال ابن عباس: جَعَل اللهُ على ابن آدم حافظين في الليل، وحافظين في النهار.
واختلفوا هل يكتُبان جميع أفعاله وأقواله على قولين.
أحدهما: أنهما يكتُبان عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه، قاله مجاهد.
والثاني: أنهما لا يكتبان إلاّ ما يؤجَر عليه، أو يُوزَر، قاله عكرمة.
فأمّا مجلسهما، فقد نطق القرآن بأنهما عن اليمين وعن الشمال، وكذلك ذكرنا في حديث أبي أمامة.
وقد روى عليّ كرَّم اللهُ وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن مقعد ملَكَيك على ثنيَّتيك، ولسانُك قلمهما، وريقك مدادهما، وأنت تجري فيما لا يعنيك» وروي عن الحسن والضحاك قالا: مجلسهما تحت الشعر على الحنك.
قوله تعالى: {وجاءت سَكرْةُ المَوت} وهي غَمرتُه وشِدَّتُه، التي تَغشى الإِنسان وتَغْلِب على عقله وتدُلُّه على أنه ميت {بالحق} وفيه وجهان.
أحدهما: أن معناه: جاءت بحقيقة الموت.
والثاني: بالحق من أمر الآخرة، فأبانت للانسان ما لم يكن بيَّنّا له من أمر الآخرة.
ذكر الوجهين الفراء، وابن جرير.
وقرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه: {وجاءت سَكْرةُ الحق بالموت}، قال ابن جرير: ولهذه القراءة وجهان.
أحدهما: أن يكون الحق هو الله تعالى، فيكون المعنى: وجاءت سَكْرة الله بالموت.
والثاني: أن تكون السَّكْرة هي الموت، أضيفت إلى نفسها، كقوله: {إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقينِ} [الواقعة 95]، فيكون المعنى: وجاءت السَّكْرة الحَقُّ بالموت، بتقديم {الحَقّ}.
وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران: {وجاءت سَكَراتُ} على الجمع {الحَقِّ بالموتِ} بتقديم {الحَقّ} وقرأ أُبيُّ ابن كعب، وسعيد بن جبير: {وجاءت سَكَراتُ الموت} على الجمع {بالحق} بتأخير {الحق}.
قوله تعالى: {ذلك} أي: فيقال للانسان حينئذ: {ذلك} أي: ذلك الموت {ما كنتَ منه تَحِيدُ} أي: تهرُب وتفِرّ.
وقال ابن عباس: تَكره.
قوله تعالى: {ونُفِخ في الصُّور} يعني نفخة البعث {ذلك} اليوم {يومُ الوعيد} أي: يوم وقوع الوعيد.
قوله تعالى: {معها سائق} فيه قولان.
أحدهما: أن السائق: ملَك يسوقها إلى مَحْشَرها، قاله أبو هريرة.
والثاني: أنه قرينها من الشياطين، سمِّي سائقا، لأنه يتبَعها وإِن لم يَحثَّها.
وفي الشهيد ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه ملَك يَشهد عليها بعملها، قاله عثمان بن عفان، والحسن.
وقال مجاهد: الملَكان: سائق: وشهيد.
وقال ابن السائب: السائق: الذي كان يكتب عليه السَّيَِئات، والشهيد: الذي كان يكتب الحسنات.
والثاني: أنه العمل يَشهد على الإنسان، قاله أبو هريرة.
والثالث: الأيدي والأرجل تَشهد عليه بعمله، قاله الضحاك.
وهل هذه الآيات عامّة، أم خاصَّة؟ فيها قولان.
أحدهما: أنها عامة، قاله الجمهور.
والثاني: خاصة في الكافر، قاله الضحاك، ومقاتل.
قوله تعالى: {لقد كنتَ} أي: ويقال له: {لقد كنتَ في غفلة من هذا} اليوم وفي المخاطَب بهذه الآيات ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الكافر، قاله ابن عباس، وصالح بن كيسان في آخرين.
والثاني: أنه عامّ في البَرِّ والفاجر، قاله حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، واختاره ابن جرير.
والثالث: أنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهذا قول ابن زيد.
فعلى القول الأول يكون المعنى: لقد كنتَ في غفلة من هذا اليوم في الدنيا بكفرك به؛ وعلى الثاني: كنتَ غافلًا عن أهوال القيامة {فكَشَفْنا عنك غِطاءك} الذي كان في الدنيا يغشى قلبك وسمعك وبصرك.
وقيل معناه: أريناك ما كان مستورًا عنك؛ وعلى الثالث: لقد كنتَ قبل الوحي في غفلة عمّا أُوحي إِليك، فكشفنا عنك غطاءك بالوحي {فبصرُك اليومَ حديدٌ} وفي المراد بالبصر قولان.
أحدهما: البصر المعروف، قاله الضحاك.
والثاني: العِلمْ، قاله الزجاج.
وفي قوله: {اليومَ} قولان:
أحدهما: أنه يوم القيامة، قاله الأكثرون.
والثاني: أنه في الدنيا، وهذا على قول ابن زيد.
فأمّا قوله: {حديدٌ} فقال ابن قتيبة: الحديد بمعنى الحادّ.
أي: فأنت ثاقب البصر.
ثم فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: فبصرك حديدٌ إلى لسان الميزان حين تُوزَن حسناتُك وسيِّئاتُك، قاله مجاهد.
والثاني: أنه شاخص لا يطرف لمعاينة الأخرة، قاله مقاتل.
والثالث: أنه العِلْم النافذ، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {وقال قرينُه} قال مقاتل: هو مَلَكُه الذي كان يكتُب عملَه السيّءَ في دار الدنيا، يقول لربِّه: قد كتبتُ ما وكَّلْتَني به، فهذا عندي مُعَدٌّ حاضرٌ من عمله الخبيث، فقد أتيتُك به وبعمله.
وفي {ما} قولان.
أحدهما: أنها بمعنى {من} قاله مجاهد.
والثاني: أنها بمعنى الشيء، فتقديره: هذا شيء لديَّ عتيدٌ، قاله الزجاج.
وقد ذكرنا معنى العتيد في هذه السورة [ق: 18] فيقول الله تعالى: {ألْقيَا في جهنَّم} وفي معنى هذا الخطاب ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه مخاطبة للواحد بلفظ الخطاب للاثنين، قال الفراء: والعرب تأمر الواحد والقوم بأمر الاثنين، فيقولون للرجُل: ويلك ارحلاها وازجُراها، سمعتها من العرب، وأنشدني بعضهم:
فقُلْتُ لِصَاحِبِي لا تَحْبِسانا ** بِنَزْعِ أُصُولِهِ واجْتَزَّ شِيحا

وأنشدني أبو ثَرْوان:
فانْ تَزْجُرانِي يابْنَ عَفَّان أَنْزَجِرْ ** وإِنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضًا مُمَنَّّعا

ونرى أن ذلك منهم، لأن أدنى أعوان الرجُل في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرُّفقة أدنى ما تكون ثلاثة، فجرى الكلام على صاحبيه، ألا ترى الشعر أكثر شيء قِيلًا: يا صَاحِبَيَّ ويا خليليَّ.
قال امرؤ القيس:
خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي على أُمِّ جُنْدَبٍ ** نُقَضِّي لُباناتِ الْفُؤادِ المُعَذَّبِ

ثم قال:
ألم تَرَأَنِي كُلمَّا جِئْتُ طارِقًا ** وَجَدْتُ بها طِيبًا وإِنْ لَمْ تَطَيَّبِ

فرجع إلى الواحد، وأول كلامه اثنان، وإِلى هذا المعنى ذهب مقاتل، وقال: {ألقيا} خطاب للخازن، يعني خازن النار.
والثاني: أنه فِعل ثُنِّي توكيدًا، كأنه لمّا قال: {ألقيا}، ناب عن أَلْقِ أَلْقِ، وكذلك: قِفا نَبْكِ، معناه: قِفْ قِفْ، فلمّا ناب عن فعلين، ثُنِّي، قاله المبرد.
والثالث: أنه أمر للملكين، يعني السائق والشهيد، وهذا اختيار الزجاج.
فأمّا الـ{كَفّارُ} فهو أشَدُّ مُبالَغةً من الكافر.
والـ{عنيد} قد فسرناه في [هود: 59].
قوله تعالى: {منَّاعٍ للخير} في المراد بالخير هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: الزكاة المفروضة، قاله قتادة.
والثاني: أنه الإسلام، يمنع الناس من الدُّخول فيه، قاله الضحاك، ومقاتل، وذكر أنها نزلت في الوليد بن المغيرة، منع بني أخيه عن الإسلام.
والثالث: أنه عامٌّ في كل خير من قول أو فعل، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {مُعتَدٍ} أي: ظالم لا يُقِرُّ بالتوحيد {مُريبٍ} أي: شاكّ في الحق، من قولهم: أرابَ الرجُلُ: إذا صار ذا رَيْب.
قوله تعالى: {قال قرينُه} فيه قولان.
أحدهما: شيطانه، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والجمهور.
وفي الكلام اختصار تقديره: إن الإنسان ادّعى على قرينه من الشياطين أنه أضلَّه فقال: {ربَّنا ما أطغيتُه} أي: لم يكن لي قُوَّة على إضلاله بالإكراه، وإنما طغى هو بضلاله.
والثاني: أنه الملَك الذي كان يكتُب السَّيِّئات.
ثم فيما يدَّعيه الكافرُ على الملَك قولان.
أحدهما: أنه يقول: زاد عليَّ فيما كتب، فيقول الملَك: ما أطغيتُه، أي: ما زدتُ عليه، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: أنه يقول: كان يُعْجِلني عن التَّوبة، فيقول: ربَّنا ما أطغيتُه، هذا قول الفراء.
قوله تعالى: {ولكن كان في ضلال بعيدٍ} أي: بعيد من الهُدى، فيقول الله تعالى: {لا تختصموا لديَّ}.
في هذا الخصام قولان.
أحدهما: أنه اعتذارهم بغير عذر، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه خصامهم مع قرنائهم الذين أغوَوْهم، قاله أبو العالية.
فأما اختصامهم فيما كان بينهم من المظالم في الدنيا، فلا يجوز أن يُهمَل، لأنه يوم التناصف.
قوله تعالى: {وقد قدَّمتُ إليكم بالوعيد} أي: قد أخبرتُكم على ألسُن الرُّسل بعذابي في الآخرة لمن كفر.
{ما يُبَدَّلُ القول لديَّ} فيه قولان.
أحدهما: ما يبدَّل القول فيما وعدتُه من ثواب وعقاب، قاله الأكثرون.
والثاني: ما يُكذَّب عندي ولا يغيَّر القول عن جهته، لأنِّي أعْلَمُ الغيب وأعْلَمُ كيف ضلُّوا وكيف أضللتموهم، هذا قول ابن السائب واختيار الفراء وابن قتيبة، ويدل عليه أنه قال تعالى: {ما يُبَدَّل القول لديَّ} ولم يقل: ما يُبَدَّل قولي {وما أنا بظلاّمٍ للعبيدِ} فأَزيدَ على إساءة المُسيء، أو أنقص من إحسان المُحسن.
{يومَ نقول لجهنم} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر؛ وحمزة، والكسائي: {يومَ نقول} بالنون المفتوحة وضم القاف.
وقرأ نافع، وأبو بكر، والمفضل عن عاصم: {يومَ يقول} بالياء المفتوحة وضم القاف.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، وعبد الوارث عن أبي عمرو: {يومَ يُقال} بياء مضمومة وفتح القاف وإثبات ألف.
قال الزجاج: وانتصاب {يومَ} على وجهين، أحدهما: على معنى: ما يُبدَّل القول لديَّ في ذلك اليوم.
والثاني: على معنى: وأَنْذِرْهم يومَ نقول لجهنم.
فأمّا فائدة سؤاله إيّاها، وقد عَلِم هل امتلأتْ أم لا، فإنه توبيخ لمن أُدْخِلها، وزيادة في مكروهه، ودليل على تصديق قوله: {لأَملأنَّ جهنمَ} [الأعراف: 18].
وفي قولها: {هل من مزيد} قولان عند أهل اللغة.
أحدهما: أنها تقول ذلك بعد امتلائها، فالمعنى: هل بقي فيَّ موضعٌ لم يمتلىء؟ أي: قد امتلأتُ.
والثاني: أنها تقول تغيُّظًا على من عصى اللهَ تعالى، وجَعَلَ اللهُ فيها أن تميِّز وتخاطِب، كما جَعَلَ في النملة أن قالت: {أُدخُلوا مساكنَكم} [النمل: 18] وفي المخلوقات أن تسبِّح بحمده.
قوله تعالى: {وأُزلِفَتِ الجَنَّة للمُتَّقين} اي: قُرِّبت للمُتَّقين الشركَ {غيرَ بَعيدٍ} أي: جُعلتْ عن يمين العرش حيث يراها أهلُ الموقف، ويقال لهم: {هذا} الذي ترونه {ما تُوعَدونَ} وقرأ عثمان بن عفان، وابن عمر، ومجاهد، وعكرمة، وابن محيصن: {يُوعَدونَ} بالياء {لكُلِّ أوَّاب} وفيه أقوال قد ذكرناها في [بني إسرائيل: 25] وفي {حفيظٍ} قولان.
أحدهما: الحافظ لذنوبه حتى يرجع عنها، قاله ابن عباس.